الأحد، 16 ديسمبر 2012

موضوع: الودارنة : مثال لإنصهار القبائل البريرية ضمن القبائل العربية بتونس      

الودارنة
تعتبر من أهم المجموعات المنتسبة لاتحادية ورغمة الزناتية و كانت تعد في أواسط القرن 19م حوالي 20ألف نسمة . تعود أصولها إلى قبائل وارديرن من بني دمر بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية . و قد تزعمت هذه القبيلة حركة الاسترداد خلال القرنين 15م و 16م للأراضي التي اغتصبتها القبائل العربية إبان الزحف الهلالي، فتمكنت من التغلب على السهل و النزول من الجبل مع بقية قبائل ورغمة بعد أن فرطت في لسانها البربري و مذهبها الاباضي فانتزع الودارنة مجال أولاد يعقوب الذين اضطروا إلى التوغل في الصحراء ، و استوعبت بقايا القبائل السليمية من أولاد دباب مثل أولاد سليم و أولاد عبد الحميد و الزرقان و الكراشوة و غيرهم الذين أثروا في القبائل الزناتية بتعريبها و تأثروا بهم بتبني نمط عيشهم .
تتميز عروش الودارنة بأصول إثنية مختلفة و أنماط عيش متنوعة فمنها عروش نصف بدوية ذات أصول و ملامح عربية يناهز عددهم 15 ألف نسمة ن ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كبرى
أولاد سليم : أولاد دباب _ أولاد شهيدة _ الدغاغرة _ الطرايفة _ المخالبة
أولاد عبد الحميد: عبابسة _ زرقان _ جلالطة _ حميدية _ كراشوة _ عمارنة
الجليدات : جليدات تطاوين _ جليدات بني بلال
و عروش مستقرة بقرى جبلية بربرية الأصل من بني دمر يقدر عددهم بين 5 و 6 ألاف نسمة يتوزعون كالتالي :
الدويرات : 3400 ساكن يتوزعون على 25 قرية منتشرة بمرتفعات ظاهر الدويرات و هي المركز الرئيسي بالنسبة للقرى البربرية
شنني : 2150 ساكن هاجر البعض منهم إلى مدن الشمال من أجل العمل
قرماسة : 1350 ساكن يقطنون قرية جبلية تحمل نفس الاسم و تميزوا بالهجرة إلى مدينة تونس
و كانت هجرة الجبالية إلى مدن الشمال منذ فترات متقدمة ( من بدايات القرن 18م ) و شملت قرى شنني و الدويرات و قرماسة بالإضافة إلى غمراسن وهي من أقدم الهجرات المنظمة و المتخصصة مهنيا نحو العاصمة. يتخاطب الجبالية فيما بينهم مستعملين اللهجة البربرية المسماة " الشلحة " باستثناء قرماسة التي دأب أفرادها على استعمال العربية في تعاملهم مع بقية عروش الودرنية بينما تدل كل المؤشرات من لغة و تقاليد ونمط عيش على عروبة القسم البدوي من الودارنة مثل أولاد سليم . و يعد الجليدات من الأقسام المرابطية التي اكتسبت مكانة هامة لدى مجموعات ورغمة و خاصة لدى الودارنة نظرا لدورها الديني و نسبها الشريف و هو ما أضفى عليها مسحة من الهيبة و مكنها من عدة سلطات دينية و مدنية . و يعتبر أولاد سليم من العروش الأكثر ترحالا و تنقلا مما عرضها في بعض الأحيان للاصطدام بقبائل الطوارق في أقصى الجنوب التونسي و يحتل أولاد عبد الحميد أراضي مجاورة لقبيلتي الخزور و التوازين الذين يشتركون معهم في نمط العيش المتمثل في تقسيم العمل حسب رزنامة زمانية محددة ففي فصل الخريف و بداية من فصل الصيف تستقر بأراضي الزراعة قصد القيام بعملتي الحرث و الحصاد و تمارس الانتجاع طيلة فترة الشتاء و الربيع وأما في فصل الصيف فيقع الاستقرار قرب القصور التي تستخدم بصفة عامة لحفظ المؤونة و يختص كل عرش من عروش الودارنة النصف البدوية بقصر معين عادة ما يحمل اسمه مثل قصر الكراشوة و قصر أولاد دباب و قصر الدغاغرة ...
و كانت هذه العروش تهيمن على الجبالية فالعلاقة بين الطرفين قامت في البداية على تحرش فرسان عرب الودارنة بقرى الجبالية و على أسلوب الاعتداء ثم تحولت إلى علاقة عرفية تقوم على العرف و القانون أو ما يسمى بقانون " الصحابة " إذ يتكفل كل عرش من العرب الودارنة بحماية مجموعة جبالية مقابل إتاوة سنوية .
و عرف عن أفراد هذه القبيلة الفروسية و النزعة القتالية و التعلق الشديد باستقلالهم عن سلطة الباي بتونس و في هذا الإطار يذكر بيليسي أنهم ليسوا معفين من الضرائب فقط بل و يتلقون من السلطة المركزية أموالا تصرف كجراية ل300 صبايحي لحماية حدود البلاد الجنوبية مع إيالة طرابلس .
و على إثر الاحتلال الفرنسي لأقصى الجنوب التونسي و إحكام السيطرة على عليه خير الودارنة خلق فراغ حول القوات الاحتلال ، إذ لم يجد الجنرال فيلبار المكلف بإخضاعهم عندما وصل إلى تطاوين أثرا للسكان.
ومن المؤكد أن أعيان و شيوخ الودارنة قد تضرروا كثيرا من تغير الأوضاع بعد الاحتلال الفرنسي للبلاد و تحديد مجالات قبائل الجنوب وكذلك تحرير عروش الجبالية من هيمنة عرب الودارنة و امتناعهم عن مواصلة تقديم الإتاوة التي نص عليها عقد الصحابة و امتناع سكان بعض الواحات الليبية مثل وزان و نالوت من تقديم " العادة " وهي ضريبة كانت تقدم لفرسان عرب الودارنة بعد أن تعذر الوصول إلى هذه الواحات نتيجة إحكام مراقبة الحدود من طرف القوات الفرنسية . فكانت الحصيلة تفقير أكابر البدو و أسياد الأمس ، فاضطر الكثير من الودرنية إلى الهجرة إلى مدن الشمال و خاصة العاصمة تونس لطلب الرزق .
و كان شيوخ الودارنة يتحينون الفرصة السانحة للانتقام و الثأر من السلط الاستعمارية المسؤولة عن إذلالهم و تشريدهم . و بداية من سنة 1915 انعقد اجتماع كبير بزاوية سيدي عبد القادر بتطاوين ( وكان ذلك بعد إلقاء القبض على شيوخ الحامة ) حضره أعيان أولاد دباب و أولاد شهيدة و الكراشوة و الجليدات و الحميدية و قرروا رفع السلاح في وجه المستعمر فانطلقت بذلك ما أصبح يسمى بثورة الودارنة أو ثورة الجنوب أو خطرة أولاد دباب .
فبعد تنظيم الصفوف و الحصول على دعم الثوار الليبيين بقيادة خليفة بن عسكر النالوتي و بعد وصول أخبار الانتصارات التي حققها المجاهدون الليبيون ضد القوات الإيطالية في فزان و الصدى الذي وجدوه لدى قبائل نالوت و غدامس انطلق الودارنة في انتفاضة عارمة شارك فيها ما بين 4000 و 5000 مقاتل نصفهم من التونسيون و النصف الآخر من الليبيين بقيادة خليفة بن عسكر و أما القوات الفرنسية فجندت ما يقارب 20000 جندي مدعومين بالمدفعية و الدبابات و الطيران الحربي .
خاض المقاومون عدة معارك ضارية ضد الجيش الفرنسي المتحصن بحصون و ثكنات الجنوب الشرقي خلال الفترة الممتدة من 1915 إلى 1917 من أهمها
معركة رمثة ( 25/26 سبتمبر 1915 ) التي قتل فيها نصف رجال الحامية الفرنسية
معركة أم صويغ ( من 2 إلى 9 أكتوبر 1915 ) التي ضرب فيها المقاومون تحت قيادة خليفة بن عسكر حصارا على الحصن دام أسبوعا كاملا مما جعل قائد الحامية الضابط De Bermande يفكر في الاستسلام مقابل الحفاظ على أرواح جنوده لكن صادف أن أصابت قذيفة مدفعية شيوخ أولاد دباب فتفرق الجمع و فُكَّ الحصار.
معركة رمادة ( 26/27 جوان 1916 ) التي قتل فيها 158 من جنود الفرنسيين من ضمنهم ملازمان
معركة بئر مغرى ( 30 جوان 1916 ) و التي أسفرت عن سقوط 200 شهيدا في صفوف المقاومين .
و بعد هذه الخسارة الفادحة و أمام اختلال موازين القوى العسكرية عددا و عدّة إذ استعمل الجيش الفرنسي في مواجهة الثوار كل أنواع الأسلحة المتاحة لديه مثل المدافع و الدبابات و الطائرات و الغازات السامة ، غير الثوار في أسلوب المقاومة ابتداء من سنة 1917 إلى حرب العصابات لتتعطل تماما في سنة 1918 على إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى.
لقد أقضت انتفاضة الودارنة مضجع السلط الاستعمارية بضراوتها و امتدادها على أربع سنوات من 1915 إلى 1918 و كانت على درجة من الخطورة جعلت الضابط الفرنسي Raffoux يعتبر الجنوب التونسي خلال سنوات 1916 و 1918 جبهة لا تقل أهمية على الجبهات الأخرى للحرب العالمية الأولى .

هناك 3 تعليقات: